أخبار الساعة من هنا و هناك ( يختص باخر الاخبار العالمية المتنوعة )


كيف نفهم ما حدث في سوريا؟!

أخبار الساعة من هنا و هناك


إضافة رد
المشاهدات 140 التعليقات 11
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم منذ 3 أسابيع   #11


الصورة الرمزية سمبتيك
سمبتيك غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 6732
 تاريخ التسجيل :  02-03-09
 العمر : 38
 أخر زيارة : منذ 19 ساعات (05:00 AM)
 المشاركات : 8,611 [ + ]
 التقييم :  202
لوني المفضل : Brown
افتراضي رد: كيف نفهم ما حدث في سوريا؟!



وبالطبع كان تفكيرهم بالغ السذاجة والغباء والضحالة،
نظرا لأنهم لم يحسبوا حسابا للتغييرات العالمية الفادحة في القرن الجديد خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر والتي جعلت من الولايات المتحدة وحشا كاسرا ترك السياسة الناعمة للحزب الديمقراطي، وانتهج سياسة العصا الغليظة مع كافة دول العالم وأصبح التطرف حاكما على سياسة الفريق الرياسي لبوش الابن بسياسة أن من معنا صراحة فهو حليف ومن لم يدعمنا فهو عدو.
وهي السياسة التي لم تقبل معها أمريكا إلا العبودية الكاملة من حكومات المنطقة والعالم، فآثرت القوى الكبرى في العالم مثل الصين وروسيا وأوربا مهادنة نظام بوش المجنون مؤقتا!

وبالتالي كان الظرف الدولي قد تغير بشكل فادح وَمِن قِصـَر النظر أن يتعامل بشار وحكومته على أن الأوضاع والتحالفات ستظل كما هي بينما كبريات الدول لجأت للحذر والترقب.
بالإضافة إلى الخطأ الأكبر الذي تمثل في تنحية غازي كنعان عن منصبه في لبنان، ونقله لسوريا، وهي خسارة فادحة للنظام السوري طالما قرر البقاء على نفس خط حافظ الأسد.
فغازي كنعان بخبرته وبكونه رجل أمريكا في الشام كان هو الشخصية المناسبة لكيفية اختيار السياسة السليمة للتعامل في لبنان وكان هو الوحيد القادر على علاج قضية الحريري وفقا للمستجدات.
ولم يتصور بشار الأسد ونظامه هذه الحقيقة، وعليه أقدموا على تفجير موكب رفيق الحريري بعبوات ناسفة زنة ألف طن من مادة (تي ان تي) نسفت الموكب وقتلت الحريري وعشـرين شخصا معه، وحسبوا أنها ستمر كما مرت جرائم أكبر منها في السابق عندما اغتال الأسد (كمال جنبلاط) والرئيس المنتخب (رينيه معوض) وغيرهم من كبار المسئولين ولم يتحرك أحد.
لكن الذي فوجئوا به أن العالم أجمع انقلب على هذه الجريمة وأصدرت الأمم المتحدة بيانا أعلنت فيه عن إجراء تحقيق دولي في اغتيال الحريري وتصاعدت الضغوط العالمية – لأول مرة- ضد وجود الجيش السوري في لبنان
وأدرك بشار الأسد متأخرا أن اغتيال الحريري سيكون الفرصة لتصفية أعدائه لحساباتهم معه.
في ذلك الوقت كان غازي كنعان على عِلْم مسبق بعملية الاغتيال نظرا لأنه كان يراقب كافة قيادات مكتب الأمن السوري والأخطر من هذا أنه حصل على التسجيلات الكاملة لرستم غزال ورجاله وهم يدبرون لاغتيال الحريري واحتفظ بها.
وبشكل ما وصلت المعلومة لبشار الأسد أن كنعان يتابع أزمة النظام في اغتيال الحريري ولديه من الأوراق ما يهدد النظام بأكمله أمام العالم

خاصة وأن الأمم المتحدة أسندت رياسة لجنة التحقيق للقاضي الألماني (ميليس ديتليف) الذي جاء وباشر عمله في التحقيق مع ضباط سوريين ومسئولين من أجهزة الأمن والجيش
وبدأت الدراما تتصاعد عندما طلب (ميليس) التحقيق مع غازي كنعان، وبالفعل اجتمع معه في قاعة أمنية ملغمة بأجهزة التنصت التي وضعتها المخابرات السورية، ولهذا فاجأ كنعان المحقق الدولي عندما لـَمّح له بأن لديه الكثير ولكن المكان والزمان ليسا مناسبين للحديث!
وكان كنعان يعلم بأنه بهذا التصـريح سيصبح هدفا مؤكدا لنظام الأسد، لهذا بادر بالحركة والاتفاق مع المحقق (ميليس) على تأمين خروجه من سوريا عن طريق السفارة الأمريكية في مقابل أن يدلي له بكل ما لديه من معلومات وأدلة.
لكن كنعان ارتكب الخطأ الأكبر في حياته عندما تمهل في الهرب لحين ترتيب عملية اللجوء.
وهنا ظهر بشار الأسد في مقابلة مع شبكة (سي إن إن) الأمريكية يحاول الخلاص عندما صرح علنا بأنه سيعتقل كل رجل أمن سوري يثبت تورطه بعملية الاغتيال، وأنه ينتظر نتائج لجنة التحقيق للاستجابة لذلك!

ولكن الشـيء الذي فعله بشار بعد تلك المقابلة هي إصداره الأوامر باغتيال (غازي كنعان) على الفور بعدما تأكد من هذا الأخير قرر بيع النظام وتبرئة نفسه.
وهكذا خرج البيان الرسمي السوري ينعي كنعان الذي انتحر داخل مكتبه برصاصة مباشرة في الفم! ثم بلغ بشار قمة الملهاة عندما قام بتصفية فريق الأمن الذي باشر عملية الاغتيال بأكمله، فضلا على تصفية كل ضابط كان لديه معلومة موثقة عن هذا الأمر!
فتم اغتيال العميد (محمد سليمان) مدير مكتب بشار ومستشاره الأمني بثلاث رصاصات من مجهول، واللواء (مصطفى التاجر) الذي تم قتله داخل مزرعته في حلب، والقيادي الشهير في حزب الله (عماد مغنية) أحد المشـرفين على عملية اغتيال الحريري من الجانب اللبناني ورفيقه في الحزب (مصطفى بدر الدين) الذي اتهمته لجنة التحقيق بالضلوع في عملية الاغتيال وطلبت استدعائه، فتم قتله قبلها
وبعد مرور فترة على الاغتيال قرر بشار الأسد التوسع في تصفية كافة القيادات السورية التي تورطت في الملف اللبناني كله -لا قضية الحريري وحدها -منذ عهد أبيه وحتى عهده هو

وهكذا في عام 2012م، تم اغتيال (جامع جامع) نائب رئيس جهاز الأمن السوري الذي كان يقوده (رستم غزال) الذي تم اغتياله أيضا، ثم اغتالوا اللواء (آصف شوكت) نائب وزير الدفاع السوري
والكارثة السوداء في هذا الأمر أن كل من شملتهم عملية التصفية لم يكونوا منشقين أو مصدر خطر مباشر مثل غازي كنعان، بل كانوا جميعا من أوثق رجال النظام سواء الذين تم تكليفهم بمهمة اغتيال الحريري، أو أولئك الذين خدموا داخل أجهزة الأمن السوري بلبنان، وبالتالي فَهُم والنظام على خط واحد.
ولم يكن هناك واحد منهم يتوقع غدر الأسد لأنهم تصوروا أنه لن يجرؤ على اغتيال قياداته الأمنية في ظل وجود لجنة التحقيق الدولية وإلا سيكون الأمر إثباتا رسميا على صحة اتهام النظام.
ورغم أن هذا التفكير كان تفكيرا منطقيا إلا أن جنون نظام الأسد لم يكن يقف عند حد، وكان شغوفا جدا بمسألة التخلص من أي شخص لديه من الأسرار ما يكفي لاستخدامها في ابتزاز النظام في يوم ما!
ولا شك أن بشار الأسد بعدها بذل قصارى جهده لتفادي الآثار الكارثية الناجمة عن اغتيال الحريري وأبدى استعداده لأي صفقة تُخرجه من هذا الضغط
وبالطبع كانت قضية الحريري فرصة للسياسة الأمريكية والغربية لابتزاز نظام الأسد كما جرت العادة دوما من الولايات المتحدة على ابتزاز الأنظمة العربية بمختلف أنواع الشعارات، بالذات في فترة التوجهات الجديدة للإدارة الأمريكية والتي قررت فيها إدارة بوش نسف كافة التنسيقات القديمة والبدء في محاولة تجديدها والاستعداد لتغيير حتمي سيأتي على الشرق الأوسط ينبغي أن يكون للأمريكيين فيه دور ومعرفة واستعداد
وانتهت لجنة التحقيق في اغتيال الحريري إلى ثبوت التورط السوري واللبناني من حزب الله في الاغتيال، ودعت لجنة (ميليس) المجتمع الدولي لوضع قاعدة له في لبنان لضمان أمنه.
وانتهت الضغوط بإنهاء وجود الجيش السوري تماما في لبنان بعد شهرين من عملية الاغتيال.

وقد أثبت بشار الأسد منذ وقت مبكر أنه يتفوق على دموية والده نفسه وفي غرامه بعمليات الاغتيال حتى لو لم يكن هناك مبرر واقعي لها.
وقد ساق العميد (نبيل الدندل) دليلا على هذا بواقعة حدثت في بدايات حكم بشار، عندما كان (محمود الزعبي) أحد رجال النظام الذين يتولون ملف تهريب الأموال السورية لأوربا.
في ذلك الوقت كان الزعبي يقوم بعمليات التهريب بمختلف الوسائل التي لا يهتم بمعرفتها بشار الأسد ووالده، وكان من ضمن تلك الوسائل استخدام (محمود الزعبي) لابنه في تأسيس عدة شركات دولية في مصر تكون مَعْبرا للأموال من سوريا إلى مصر ثم إلى البنوك الأوربية.
وبالطبع كان ابن الزعبي يتكسب من وراء ذلك.
وعلمت المخابرات المصـرية بالأمر، ورفعت تقريرا للرئيس مبارك، فبادر مبارك باستدعاء بشار الأسد لمصـر وأخبره بأن رئيس وزرائه (محمود الزعبي) لديه ابن بمصـر يستغل الأعمال التجارية في تهريب الأموال الطائلة للخارج.
وسأل مبارك بشار إن كان يعلم بهذا الأمر، فيتجاهل مبارك الموضوع، أم لا يعلمه فيقوم بإيقاف نشاط تلك الشركات.
وشعر بشار الأسد بالإهانة من طريقة مبارك في الحديث عن الأمر وأبلغه بأن ما دار لم يكن بعلمه وأنه سيتصرف.
واستدعى بشار الأسد رئيس حكومته وسأله عن مكاسب ولده من عمليات التهريب، فاندهش الزعبي وقال له بأن ولده يتكسب كما يتكسب غيره، وأن كل ما يدور إنما يدور لصالح النظام.
ولأن بشار كان مجنونا بالفعل، فقد غاظه هذا الرد فأصدر أوامره باغتياله بعدها بأيام!

لكن طبيعة النظام تغلبت على أزماته الداخلية التي تكاثرت عليه، فحاول ترتيب أموره للسيطرة عليها داخليا وخارجيا خاصة بعد أن نجح نظام الأسد في وضع موطئ قدم له بالعراق بعد الاحتلال الأمريكي عن طريق الاتفاق الذي عَقَده بشار الأسد مع منظمات الإرهاب وأكبرها (القاعدة) داخل العراق، وكان الاتفاق برعاية إيرانية بعد أن أصبحت إيران –حليف الأسد- هي الحاكم المحلي الفعلي للعراق، وأصبح تحالفها مع الأمريكيين تحالفا استراتيجيا للقضاء على المقاومة العراقية السنية والقضاء أيضا على نفوذ القبائل السنية الكبرى وتغيير ديمغرافية البلاد لتغليب العنصر الشيعي فيها.
وهو ما نجحت فيه إيران بامتياز –كما يقول المفكر الكويتي الكبير عبد الله النفيسـي- بعد أن ضمنت التحالف الأمريكي الكامل سواء بالتسليح أو السيطرة السياسية، للدرجة التي جعلت أحد الصحفيين يسأل (بول بريمر) –أول حاكم عسكري للعراق بعد الاحتلال- عن سبب دعم الأمريكيين للتنظيمات الشيعية وإهمال شأن أهل السنة وإبعادهم عن أي دور في الحكم.
فقال له (بول بريمر) عبارة لافتة معناها:
(إن التعامل مع الشيعة في العراق لا يتطلب من الولايات المتحدة إلا أن تخاطب وتفاوض طرفا واحدا فقط هو المرجعية الشيعية التي تحكم الطائفة، فإذا تم التفاوض والاتفاق فإن الاتفاق يسـري دون منغصات، أما مع السنة فنحن لا نملك أن نفاوض طرفا محددا فهم بلا قيادة متحدة أو جماعات تملك أدوات التنفيذ)
وبول بريمر هنا كان يشير للفارق الكبير بين طبيعة الشيعة الكهنوتية التي تجعل أتباعها مجرد أدوات في يد قيادة المرجعية، وبين أهل السنة الذين لا يتبعون مرجعيتهم إلا عن اقتناع وأدلة، وليست لديهم عقيدة الاستسلام لمرجعيتهم الدينية كما هو الحال مع الشيعة.

وهذه هي السياسة التي اتبعتها الولايات المتحدة بناء على نصيحة (توماس فريدمان) الكاتب السياسي الأمريكي الذي قال ناصحا إدارة (بوش الابن):
(ينبغي أن نسلح الشيعة في العراق ونترك السنة يقبضون على الهواء)
وبلغ التعاون بين نظام بشار الأسد والقاعدة إلى الحد الذي سمح فيه بشار بتجنيد وتدريب مقاتلي (القاعدة) في سوريا تحت إشراف وقائد الأمن العسكري بمنطقة (تدمر) وقام بتوظيف الحدود لضمان تدفق المقاتلين داخل العراق في مقابل الحفاظ على المصالح السورية وعدم التعرض لها
ولا يستغرب القارئ من تلك التحالفات المتناقضة التي تدفع إيران والأسد لتحالف مع (القاعدة) فكل ما يقال عن العداوات السياسية في العلن هو مجرد تمويهات وعداوات تتقلب كبندول الساعة وفقا للمصلحة الوقتية كما سنرى.
ثم انتهت فترة بوش الثانية، وَخَفّت التهديدات التي كان يخشاها نظام الأسد من عجرفة الحزب الجمهوري وجاء الحزب الديمقراطي للحكم برياسة (باراك أوباما) وهو ما رَتّب أملا في تجديد التحالف مع الإدارة الأمريكية على نحو ما كان يجري أيام حافظ الأسد.
وظلت الأمور مستقرة حتى أتى موعد الطوفان –الغير متوقع- على العالم العربي باشتعال المظاهرات الشعبية العارمة ضد نظام (ابن علي) في تونس أواخر عام 2010م.
وقبل أن يتمالك المحللون أنفسهم لفهم أبعاد الانفجار، كان ابن علي يتخذ طريقه السعودية هاربا من البلاد ثم تلا ذلك نزول الشعب المصري لمظاهرات ثورة يناير وما تلاها من سقوط نظام مبارك ومشروع التوريث، وبنفس الحال وقعت الأحداث في ليبيا واليمن لتقترب العاصفة من النظام في دمشق.

وإلى هذه النقطة نكون قد شرحنا بالتفصيل العدو الأول للشعب السوري الذي تمثل في نظام حكم (آل الأسد)، وحلفائه في إيران ولبنان وروسيا فيما بعد
ويلزم لنا أن نتعرض للعدو الثاني أو الجبهة الثانية التي دخلت الحرب الأهلية ضد نظام الأسد وضد الشعب السوري أيضا وهي الجماعات المسلحة التابعة لدول لخليج وتركيا والولايات المتحدة، لنفهم كيف تم التآمر على ثورة الشعب السوري بداية من عام 2012م، وتحولت الساحة السورية لحرب عالمية بجبهات متعددة كلها تتصارع على موقع وثروات السوريين، وكلها –بلا استثناء- تصب النيران والحمم على الشعب السوري الأعزل في جولات صراعهم الدامي.

يتبع بإذن الله


 

رد مع اقتباس
قديم منذ 3 أسابيع   #12


الصورة الرمزية سمبتيك
سمبتيك غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 6732
 تاريخ التسجيل :  02-03-09
 العمر : 38
 أخر زيارة : منذ 19 ساعات (05:00 AM)
 المشاركات : 8,611 [ + ]
 التقييم :  202
لوني المفضل : Brown
افتراضي رد: كيف نفهم ما حدث في سوريا؟!



الفصل الثالث
كيف تم اختراع الجماعات الجهادية
سيظل العالم العربي رَهْنا لنفس السيناريو الذي يتكرر كمسلسل مكسيكي، ما لم توقن الشعوب على المستوى العام –لا مستوى المثقفين- حقيقة أن ما دار من صراعات بين تيارات الحكم ومنافسيها على أرض العرب منذ نهاية السبعينيات وحتى اليوم إنما هو صراع الوحوش على الفريسة.
وأنه منذ ذلك التاريخ تحديدا انتهت فعليا كل دعوى مخلصة بالدين أو الوطنية، وبقيت فقط التجارة بالشعارات إلى ما لا نهاية، وتحولت قِبْلة الحكومات العربية كافة إلى فلك السياسة الأمريكية تدور بأمرها وضاعت تلك الصحوة القومية الكبرى التي بدأت في الخمسينيات وانتهت بعد حرب أكتوبر.
وأضاع العرب على أنفسهم الفرصة الذهبية ليصبحوا قوة فاعلة –ولو نسبيا- بحيث يمتلكون الحد الأدنى من الاستقلال في مواجهة القوى العظمى مثل إيران وتركيا مثلا.
وما حدث من نهاية السبعينيات أن استمر خط التنازلات يجري حثيثا حتى وصل لقاع المكان والزمان اليوم كما نرى
ولولا بعض الكرامة التي حفظتها لنا المقاومة الفلسطينية في طوفان الأقصـى لشهدنا اتفاقية (سايكس –بيكو) جديدة تعيد ترتيب الدول العربية وتماثل سايكس بيكو القديمة وهي السياسة التي خطط لتنفيذها (دونالد ترامب) تحت مسمى (صفقة القرن) في فترته الأولى وانتوى إكمالها إن فاز بولاية جديدة.
فالموقف الواجب رؤيته أن أنظمة الحكم العربية وصلت إلى آخر مدى للسقوط بسبب سياسة الهيمنة الأمريكية حتى وصلت الدرجة بالمفكرين الكبار لوصف أوضاع الحكومات بألفاظ قاسية مثلما قال الدكتور (عبد الله النفيسـي) بأن الحكومات العربية لو تعلقت بأستار الكعبة فلا تصدقوهم، لأنها حكومات تضاجع الشيطان الأمريكي منذ مائة عام
ومثلما قال هيكل في بدايات حرب احتلال العراق عام 2003م، أن العالم العربي قبل هذه المهزلة كان أمامه فرصة بالغة الضآلة للحاق بآخر عربة في قطار القوى على خريطة العالم، والآن ضاعت الفرصة.
وربما كان الموقف من الحكومات سهل الشـرح والاستيعاب، لكن المعضلة الحقيقية تكمن في أن ما يُسَمى بالتيارات المعارضة للحكم سواء تيارات تتخذ الشكل الديني كجماعات ما يُسَمى بالإسلام السياسي، أو تيارات الليبرالية والعلمانية، كل هذه التيارات عبارة خطوط احتياطية نشأت تحت رعاية الغرب أيضا في حال فوجئوا يوما بقيام الشعوب بثورة مفاجئة.
فنحن – كشعوب- لا نملك تيارا واحدا من كافة التيارات السياسية، حكومية أو معارضة، تُعَبر عن طموحات الشعوب فعليا لا مظهريا، وكل ما ملكناه خلال الخمسين عاما الأخيرة هم فئة من المفكرين والعلماء المستقلين التي تمت محاربتهم من كافة الأطراف، لكنهم أدوا واجبهم وقالوا كلمتهم وشرحوا لنا عورات الأنظمة الحاكمة، وأيضا عورات تيارات ما يُسَمى المعارضة، عملا بالحكمة المأثورة:
(قل كلمتك ...وامض)
فالغرب دَرَج على مد أصابعه في النسيج الاجتماعي العربي ولديه لكل حادث حديث، لا سيما وأن القوى السياسية الظاهرة التي تنافس أنظمة الحكم وتحاول تقديم نفسها بديلا متوقعا، كلها بلا استثناء هي التي تتشوف وتبادر إلى الغرب حتى يعترف بها ككيانات سياسية لديها فرصة للظهور والوجود في أوطانها
ولهذا عند تغير الظروف يتخلى الغرب في بساطة عن الحكومات التي رعاها لعدة عقود، ويبدأ التعامل مع المتغيرات بزعماء جدد كانوا في دور المعارضة للحكومات القائمة وتحت حماية الحكومات الغربية نفسها، وبالتالي يصبحون وجوها مقبولة في مراكز القيادة، وهذا يفسـر لك –عزيزي القارئ- لماذا يفسح الغرب في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا المجال لحماية رموز المعارضة لحكام المنطقة العربية ويسبغ عليهم حمايته، رغم أنهم أعداء الأنظمة الحليفة لهم.
بل إن الغرب يُسْبغ حمايته حتى على رموز حركات الإرهاب المعادية للأنظمة بالرغم من أنها–وفقا للدعاية الغربية نفسها- ليست تيارا معارضا مدنيا بل حركات إرهاب مسلح!
وما نقوله فعلته بريطانيا ومن بعدها الولايات المتحدة عدة مرات لكننا لا نتعلم.
لا نتعلم رغم أن كبار مفكرينا أدوا واجبهم وشرحوا وأوضحوا عَبْر سنوات طويلة في كتاباتهم وأقوالهم، وكان شرحهم متكررا وموثقا حول تلك المعادلة الجهنمية التي يقبع فيها العالم العربي، وهي أنه عالم متخبط لا يبادر للعمل السياسي فيه تيار واحد يستهدف مصلحة وطنية، سواء كان داخل البلاد، أو خارجها هاربا من بطش الحكام.
بالطبع مع استثناء تلك الفئة المستقلة التي هربت خارج بلادها فرارا بحياتها من الترصد والقتل، ولكنهم استقلوا بأنفسهم فلم يقعوا تحت رعاية الحكومات الغربية وتمويلاتهم ورعايتهم، كذلك لم يقعوا فريسة لتمويل وتحريض الحكومات العربية المعادية لحكومات بلادهم.
فمن مساخر حكام بلادنا –من المحيط إلى الخليج-أنهم جميعا يلتمسون بركات البيت الأبيض ويعملون على التفاني في إرضائه لكن هذا الاتفاق في المنهج لا يصحبه اتفاق في الصداقة والتحالف، بل ينافسون بعضهم بعضا وبشكل فج، لأن كل واحد منهم يسعى لحصد شهرة أكبر وزعامة أشد، ودورا أكثر فاعلية في محيطه الإقليمي.
لهذا وجدنا تيارات كثيرة معارضة هربت من بلادها لأوربا والولايات المتحدة وَجَنّدت نفسها لصالح بلد عربي آخر بهدف المكايدة.
ولو عدنا للوراء قليلا ستكتشف هولا.
فدول الخليج قامت بتمويل حركات معارضة داخلية ضد بعضها البعض، وليبيا دعمت بعض وجوه المعارضة السعودية في لندن بعد تفجر الصراع بين القذافي والملك عبد الله، والعراق دعم المعارضة الليبية ضد القذافي، والسعودية دعمت الإخوان المسلمين ضد عبد الناصر، وسوريا والعراق دعم كل منهما الجماعات المسلحة ضد بعضهم البعض.... وهلم جرا.
لهذا كشف لنا المفكرون الكبار هذه المأساة، ومنهم كاتبنا الكبير (محمود السعدني) والذي كان له تجربة عميقة امتدت لعشـر سنوات قضاها في المنفى خارج مصـر هربا من نظام السادات، وفي رحلة هروبه لم ينس واجبه الوطني في معارضة السادات لكنه لم يترك مجالا لأي نظام عربي معاد للسادات أن يستغله ويطوعه بالتمويل في عمله الصحفي كما فعل غيره.
ولهذا ذاق (محمود السعدني) الأمرين هو وبعض رفاقه في الخارج، وعانوا من أقسى ظروف المعيشة وأسسوا لأنفسهم تجارب صحفية عدة، أشهرها وأعلاها تجربة مجلة (23يوليو) التي تم منعها من دخول مصـر ومعظم الدول العربية التي كانت تدعي معارضة السادات في (كامب ديفيد)، لكن السعدني ورفاقه استمروا في رسالتهم وَوَجّهوا مدفعية أقلامهم دفاعا عن القضية الوطنية ضد كافة الأنظمة دون استثناء.
ولهذا لم يتكسب أحد منهم في الخارج بل عانوا في هروبهم بأكثر مما عانوه داخل المعتقلات.
وعندما عاد السعدني إلى مصـر عقب اغتيال السادات حرص على تسجيل تجربته في عدة كتب، ورغم أنه كتبها بأسلوبه الساخر إلا أن صفحاته كانت تُقَطر مرارة وهو يروي –كشاهد عيان- أن العالم العربي بأنظمة حكمه ومعارضته المعلنة مجرد تجار دين وقومية وأخلاق!
وهذا الأمر الذي أدركه السعدني بالتجربة القاسية، أدركه عملاق الفكر العربي (محمد حسنين هيكل) بالخبرة وسعة الاطلاع والاتصالات الواسعة التي تميز بها.
لهذا كانت له كلمة مأثورة يرددها دوما:
(إنني لن يكون لي خارج مصر، مكتب أو منزل، أو قبر)
وظل حتى آخر عمره الطويل لا يستقر بالخارج أكثر من شهر واحد ويعود.
وعندما اختلف مع السادات، مارس معارضته القاسية ضده من داخل مصـر، رغم منعه من الكتابة فيها إلا أن هيكل كان فوق المنع قطعا فكانت مقالاته وكتبه تُنشـر خارج مصر وتزلزل أركان النظام، وحاول السادات معه بالتطويع والمناصب عدة مرات، فرفض وفي نهاية الأمر اعتقله في موجة اعتقالات سبتمبر الشهيرة.
وكان هيكل يملك ألف فرصة لكي يتفادى الاعتقال بعد أن علم بِنِيَة السادات في اعتقال رموز المعارضة الوطنية في الداخل، وعرض عليه صديقه الرئيس الفرنسـي (فرانسوا ميتران) عام 1981م قبل اعتقاله بشهر واحد أن يبقى ضيفا لمدة وجيزة لديه في فرنسا لأن السادات قرر الهجوم على المعارضة فرفض هيكل وعاد وتم اعتقاله.
مع أن هيكل عندما عزله السادات من منصبه الأثير كرئيس لمجلس إدارة الأهرام جاءه عرض خرافي من مجموعة (التايمز) البريطانية، وهي كبرى صحف العالم كي يتولى رياسة تحرير الجريدة الرئيسية فيها، وهو عرض قادر على إغراء رؤساء الدول بعد اعتزالهم، ورغم هذا رفضه هيكل لأن صوت معارضته وهو رئيس تحرير صحيفة أجنبية سيسمح للنظام بالطعن فيه.
ومرة أخرى كانت لديه عشـرات الفرص لممارسة معارضته من الخارج باستقلال تام، حيث كان هيكل شخصية عالمية وصاحب ثروة كبيرة باعتباره من أكبر عشـر كتاب سياسيين على مستوى العالم، وبالتالي لن يحتاج لتمويل أو رعاية دولة أو نظام.
لكنه رفض أيضا.
بل بلغ حرص هيكل أنه كان يرفض عدة أشياء لا تمثل شبهة ورغم هذا كان يتشدد في الرفض مثل اعتذاره للجامعة الأمريكية عن قبول تكريمه بشهادة الدكتوراة الفخرية عن مجمل أعماله، رغم أن تلك الشهادة قبلتها شخصيات عامة كبرى داخل وخارج مصر.
كذلك اعتذاره عن قبول دعوات رياسية من بعض رؤساء الدول العربية المعارضة للسادات، وكانت دعوتهم له دعوة شخصية قائمة على معرفتهم بمكانته ورغم هذا رفض حتى لا يقال إن هؤلاء الرؤساء يمولونه أو يدعمونه، وبالطبع كان يسافر بانتظام لرحلات خارجية يلتقي فيها هؤلاء الرؤساء وغيرهم لأداء عمله طالما أنها رحلات قام بها هو وبقراره كجزء من رحلة عمل، ولكنه كان يرفض الدعوات الشخصية وما يحيط من تكريمات أو أوسمة أو جوائز.
وهذه العبقرية من هيكل في إصراره على البقاء بعيدا والحديث من أعلى نقطة في المدرج السياسي تكمن في خبرته الواسعة بطبيعة السياسة العربية – الغربية التي أنبأته أن النظم العربية يحلو لها دوما أن تتهم معارضيها بالتمويل والعمالة للغرب، برغم أنهم كأنظمة حكم خاضعون لرعاية الغرب من الأساس
ونظرا لأن كان يرغب في ممارسة دوره في التوعية نابعا من ضميره وباستقلال تام، فكان لزاما عليه أن يتخذ الحيطة من كل شبهة.
لأن المفكر أو الصحفي حتى لو نطق بالحق في مواجهة سياسة نظام حكم، فإن هذا الحق سينقلب باطلا إذا كان من نطق به إنما كان يفعل ذلك لأجل صفقة تلقى عليها أجرا لمهاجمة النظام، أي أن الأمر لا يعدو كونه توظيفا فجا مأجورا.
ولهذا نرى كل يوم في إعلامنا العربي المصون وفي الشاشات الخارجية صراع ديكة بين إعلاميين كل منهم يعمل ضد الآخر وهم هنا لا يمثلون صراعا بين حق وباطل، بل هم وكلاء حرب بين تلك الأنظمة التي تمول تلك القنوات، ولهذا ينتابني الضحك بشدة وأنا أسمع اتهاماتهم لبعضهم البعض كل يوم بأنهم إعلام مأجور أو أنهم أصحاب تمويلات مشبوهة، لأن الطرفان كذلك في الواقع.
لكن الميزة الوحيدة من صراعاتهم المضحكة أننا نستفيد للغاية من تلك الشاشات المتصارعة لأنهم يفضحون رُعَاتهم عندما يهاجمون بعضهم البعض، وبالتالي يكون أمامنا فرصة ذهبية للوصول إلى الحقائق التي يستميت كل منهما في الحصول عليها عن خصمه
وليس معنى هذا أن كل صحفي أو مفكر هاجر خارج بلاده هو بالضرورة مأجور.
كلا بالطبع....
فأي مفكر استطاع الهرب والنجاة بنفسه وممارسة دوره التوعوي باستقلال عن أي تيار، فهو هنا يقوم بواجبه الذي لم يستطع القيام به في وطنه، المهم ألا يندرج تحت تيارات خارجية تملك عمله وتوجيهه.
وليس معنى ما شرحناه من تبعية التيارات السياسية حكومية أو معارضة للغرب، أن الحكومات الغربية تتحكم في ثورات الشعوب أو تدبرها كما يروج إعلام الأنظمة، فهذا لا علاقة له بالمنطق فضلا عن العلم.
حيث لا توجد أية ثورة شعبية في العالم أجمع يمكن اعتبارها مؤامرة أو ترتيب من الخارج، وهنا أنا لا أتحدث عن الثورات الطائفية الخاصة بفئة معينة من فئات أي شعب، كما لا أتحدث عن الانقلابات التي يدبرها الغرب – عند الحاجة- للخلاص من نظم حكم قائمة.
بل أتحدث عن مفهوم (الثورة الشعبية) والتي تعني اجتماع كلمة شعب معين بكافة فئاته في بلد معينة على الثورة ضد النظام القائم سواء كان نظام احتلال من الخارج أو نظام حكم من الداخل.
هذه الثورات لا يمكن أن تكون قابلة للصنع أو التدبير كمؤامرة من الخارج بالشكل الذي تروجه أنظمة الحكم المستبدة للدفاع عن أنفسهم ضد أي حراك ثوري
فالثورات منبعها داخلي وطالما توافرت أسبابها واجتمعت عليها كلمة الشعوب، دون طائفية أو اختزال، فهي ثورة شعبية حقيقية ووطنية لا شك في ذلك.
وفي ضوء هذا الأمر، قد يثور سؤال منطقي.
وهو كيف يمكننا تفسير ظاهرة أن بعض زعماء ورموز تلك الثورات يتخذون جانب الغرب أيضا رغم أن الثورة غالبا ما تقوم ضد نظام حليف للغرب.
والجواب بالغ البساطة.
فالتدخل الخارجي، نعم لا يستطيع التحكم في حركة الشعوب، لكنه يستطيع التركيز على رموز محددة أو تيارات حزبية معينة، يكون لها بعض الشعبية فتتم رعايتهم كعملاء مصالح لهم سواء وصلوا للحكم أو استخدمهم الغرب كأداة ضغط في مرحلة ما بعد الثورة.
أي أن الغرب لا يترك الحوادث تسبقه، فإن داهمه تغيير مفاجئ فهناك دوما طرق احتياطية لبقاء النفوذ الغربي قائما للحفاظ على مصالحه
وكلنا يذكر شاه إيران (رضا بهلوي) الذي قامت ضده ثورة شعبية كاسحة جمعت كافة طوائف الشعب الإيراني من شيعة وسنة وأكراد وبلوش وعرب وشيوعيين ومسيحيين عام 1979م، وكان لكل طائفة قيادات وطنية حقيقية كافحت نظام الشاه منذ سقوط ثورة الزعيم الإيراني الوطني الدكتور (محمد مصدق) في الخمسينيات على يد المخابرات الأمريكية التي نجحت في إعادة الشاه مرة أخرى" "
وعندما أيقنت أوربا والولايات المتحدة أن الشاه قد استنفذ وقته بعد ثلاثين عاما من الحكم، والتغيير أصبح حتميا مع استمرار نزول الملايين للشوارع، أعطت الولايات المتحدة أوامرها لقيادات الجيش الإيراني بالتخلي عن الشاه وتركه في مواجهة الأمر الواقع" ".
ثم قامت فرنسا باستضافة رجل الدين الإيراني الذي اختارته كنقطة نفوذ لسياستها وهو (آية الله الخميني)، واتخذ له مقرا في قرية (نوفل دي شاتو) وتم تلميعه في الإعلام الغربي وكأنه القائد الأوحد والزعيم الأكبر الذي وقف ضد الشاه!
مع أن الثورة الشعبية لم يكن لها قيادة محددة لتعدد تياراتها السياسية، وكانت القيادات الثورية الحقيقية موجودة بقلب المظاهرات ودفع بعضهم حياته ثمنا لذلك والآخر بقي من بداية الثورة حتى خلع الشاه بين جماهير الشعب يقوم بدوره.
إلا أن العالم –بفعل الميديا الغربية- لم ير إلا الخميني الذي قامت فرنسا بإعادته على طائرة خاصة إلى إيران بعد هروب الشاه
واستقبلوه استقبال الأبطال، ليبدأ الخميني في تكريس نفوذه الداخلي باستخدام أنصاره ودعمهم بالسلاح عندما قام بتكوين ميلشيات (الحرس الثوري) واستخدمها لتصفية معارضيه، وأيضا تكريس نفوذه الخارجي برعاية فرنسية أمريكية فنجح في إعدام كافة قيادات الثورة، وغدر حتى بزملائه ورفاق الكفاح وأسس لدولة الفاشية الدينية الإيرانية منذ ذلك الوقت، وتناسى تماما شعارات الموت لأمريكا وإسرائيل والتي تحولت إلى الوجه الحقيقي له بالحرب على العراق ومحاولة تصدير الثورة للدول العربية وإنشاء حكومات شيعية تابعة له فيها.
فالخميني قبل الثورة كان في نظر الناس مناضل ومقاتل ضد هيمنة السياسة الأمريكية التي ترعى الشاه، وبعدها فوجئ الإيرانيون بأن التعاون بين دولة الخميني والأمريكيين تعدى مراحل زمن الشاه نفسه، عندما مَوّلته الولايات المتحدة وإسرائيل بالسلاح والدعم اللوجيستي والمخابراتي في حربه مع العراق، وهو الأمر الذي تفجر مع فضيحة (إيران –كونترا) التي كشفتها الصحافة الأمريكية بعد أن سقطت طائرة شحن إسرائيلية محملة بالسلاح لإيران، وكان سقوطها قريبا من الحدود الإيرانية السوفياتية وتم كشف العملية بأكملها.
ومن تلك التجارب أيضا تأييد الولايات المتحدة لإسقاط حسني مبارك في ثورة يناير، ثم دعم الإخوان المسلمين تحديدا للسيطرة على الحكم وكأنهم كانوا أصحاب الثورة، وانقلب الإخوان على كافة شعاراتهم القديمة التي عاشوا فيها يعدون جماهيرهم بتحرير القدس إذا وصلوا للحكم، وعندما جاءوا للحكم وجدنا الرعاية الأمريكية والبريطانية لهم على أعلى ما يكون وتعهد الإخوان لهم أنهم سيمضون على نفس خط مبارك في العلاقة مع الغرب وإسرائيل إذا استمر الدعم الأمريكي لهم.
أما التيارات الليبرالية التي تنادي ليل نهار بالحريات في مواجهة الأنظمة المستبدة- كما يروجون- فَهُم لا يدافعون هنا عن مفهوم الحريات السياسية، بل مفهوم الحريات الجنسية والتحلل من الأديان وما يتعلق بها، لأنهم في أعماقهم أكثر استبدادا من تلك الأنظمة، ولا يكترثون حتى لإخفاء انتمائهم الغربي القح سواء في تبني كافة السياسات الغربية حتى ضد القضية الفلسطينية، أو في اعتبارهم الولايات المتحدة وأوربا هي قِبْلة العبادة ونموذج حرية الإنسان!
وأما الحكومات المعاصرة فحدث ولا حرج.
فالمعركة البطولية التي خاضتها المقاومة الفلسطينية منفردة في عملية طوفان الأقصـى وقلبت بها موازين المنطقة، هذه المعركة كانت فاضحة لدرجة لم يستوعبها أشد المتشائمين.
فالحكومات العربية لم تكتف بالسكوت أو حتى بالتأييد المبطن لإسرائيل، بل زاد الأمر حده عندما خرج (بنيامين نتنياهو) علانية ليقول فيه:
(على حكام المنطقة أن يصمتوا تماما إذا أرادوا الحفاظ على عروشهم وكراسيهم)
ولم يجرؤ نظام عربي واحد على فتح فمه بكلمة تعليقا على هذا التصريح الفج!
بل قام الإعلام والسياسة العربية بالعمل كقنوات خلفية لدعم إسرائيل وتشويه المقاومة واتهامها بالإرهاب، فضلا على اعتقال كل من تسول له نفسه رفع العلم الفلسطيني أو الخروج في مظاهرة تأييد عاجزة ضد الوحشية والإبادة الإسرائيلية.
ونأتي الآن للملف السوري، وكيف تدخلت فيه الجماعات المسلحة مختلفة الأطراف والتمويل، بهدف رعاية مصالح الممولين
فالثورة بدأت في أول أمرها شعبية تماما-كما سنشـرح لاحقا- ولكن مع عام 2012م بدأت جماعات مسلحة مختلفة ومتنوعة، تقتحم الحدود السورية من كافة الاتجاهات لتخوض معاركها ضد النظام.
ثم تطور الأمر إلى قتالها بعضها بعضا مع استمرار قتالها مع نظام الأسد.
ثم فجأة ظهر اختراع جديد لم نسمع به من قبل اسمه (داعش)، والتي دخلت من الحدود العراقية لتحارب الجماعات المسلحة التي تقاتل الأسد، فجاءت داعش لتستولي على بعض مناطقها دون أن يدري أحد من هي داعش وكيف ومتى تكونت وما هو مصدر تمويلها وتسليحها النوعي؟!
وبدأت منذ ذلك الحين مأساة الشعب السوري الذي تعرض لأبشع آليات القتل والحرق والاختطاف وأصبح هو المادة الخام لضحايا تلك المعارك دون أن يجد من يقاتل أو يعبر عنه.
فالجيش النظامي في البلاد بدلا من أن يحمي الشعب كان هو أول المهاجمين للشعب بشتى أنواع العتاد والسلاح، حتى الأسلحة المحرمة دوليا!
والجماعات التي أعلنت أنها جماعات مقاومة مسلحة تحارب ضد بشار الأسد وجيشه، وتناضل لإنقاذ الشعب السوري، كانت ممارساتها ضد الشعب في المناطق التي سيطرت عليها لا تقل بشاعة عن ممارسات النظام نفسه
واستمر الأمر يتطور حتى وقع الهجوم الشامل الأخير الذي انتزع بشار الأسد ونظامه من سدة الحكم السوري بعد خمسين عاما مريرة.
وانفجرت فرحة الناس داخل وخارج سوريا، ولابد لهم أن يفرحوا لأنه –بغض النظر عن الوسيلة- فإن الخلاص من حكم بشار كان إنجازا غير مُتَصور بعد أن تمسك بالحكم وأفنى في ذلك قرابة مليون قتيل من الشعب السوري وخمسة ملايين مُهَجّر، ومثلهم من المصابين والمعتقلين، وتم نسف مدن سوريا وَقُرَاها كما لو كانت قد تعرضت لأهوال يوم القيامة!
فلا شك أن الخلاص من النظام حدث تاريخي يجب أن تحتفل به الإنسانية كلها لا الشعب السوري وحده.
لكن مع الوضع في الاعتبار ما سبق أن شرحناه، وهو ألا يقع الجمهور رهن التلاعب الخارجي مرة أخرى بسيناريوهات محفوظة وقعت في سوريا منذ الخمسينيات وشرحناها بالتفصيل في الفصول السابقة.
لذلك سنطرح في هذا الفصل تاريخا موازيا لما يسمى بالحركات الجهادية أو الإسلامية التي انتصـرت على نظام بشار واقتلعته مثلما يقول الإعلام!
لنرى هل الذي انتصر هنا هي المقاومة السورية أم جماعات المصالح؟
فالجواب على هذا السؤال بالغ الأهمية لأنه ببساطة يحمل مستقبل سوريا في أجواء عاصفة.
فلو كان المنتصـر هو الشعب والمقاومة السورية حقا، فالفرحة بالإنجاز والاحتفال به أمر واجب، والإعداد لإعادة البناء والاصطفاف هو التصرف المطلوب حاليا.
أما إن كان المنتصـر هم جماعات المصالح، فهنا تتغير الصورة تماما، وعلى الشعب السوري أن يدرك بأن الحرب والخطر لا زال قائما، وبالتالي فالوقت وقت استعداد وإعادة توحد يجب أن يجتمع عليه الشعب لكي يكون له كلمة في مصيره وسط كل هذه التدخلات الخارجية التي تتقاسم المكاسب


 

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
سوريا؟! , نفهم


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


All times are GMT +3. The time now is 12:52 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010

جميع الحقوق محفوظه لمنتديات سماء يافع

a.d - i.s.s.w

mamnoa 4.0 by DAHOM